فصل: (سورة الحجر: الآيات 49- 50)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشرى:

.[سورة الحجر: الآيات 49- 50]

{نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)}
لما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه {نَبِّئْ عِبادِي} تقريرًا لما ذكر وتمكينًا له في النفوس.
وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: غفور لمن تاب، وعذابه لمن لم يتب، وعطف {وَنَبِّئْهُمْ} على نبئ عبادي، ليتخذوا ما أحل من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط اللّه وانتقامه من المجرمين، ويتحققوا عنده أنّ عذابه هو العذاب الأليم.

.[سورة الحجر: الآيات 51- 56]

{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلامًا قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56)}.
{سَلامًا} أى نسلم عليك سلامًا، أو سلمت سلامًا {وَجِلُونَ} خائفون، وكان خوفه لامتناعهم من الأكل، وقيل: لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت، وقرأ الحسن: {لا توجل}، بضم التاء من أوجله يوجله إذا أخافه، وقرئ: {لا تأجل}، و{لا تواجل}، من واجله بمعنى أوجله.
وقرئ {نُبَشِّرُكَ} بفتح النون والتخفيف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ} استئناف في معنى التعليل للنهى عن الوجل: أرادوا أنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل. يعنى {أَبَشَّرْتُمُونِي} مع مس الكبر، بأن يولد لي. أى: أن الولادة أمر عجيب مستنكر في العادة مع الكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} هي ما الاستفهامية، دخلها معنى التعجب، كأنه قال: فبأى أعجوبة تبشروني. أو أراد: أنكم تبشروننى بما هو غير متصوّر في العادة، فبأى شيء تبشرون، يعنى: لا تبشروننى في الحقيقة بشيء، لأنّ البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء، ويجوز أن لا يكون صلة لبشر، ويكون سؤالا عن الوجه والطريقة يعنى: بأى طريقة تبشروننى بالولد، والبشارة به لا طريقة لها في العادة، وقوله: {بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ} يحتمل أن تكون الباء فيه صلة، أى: بشرناك باليقين الذي لا لبس فيه، أو بشرناك بطريقة هي حق وهي قول اللّه ووعده، وأنه قادر على أن يوجد ولدًا من غير أبوين، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر، وقرئ: {تبشرون}، بفتح النون وبكسرها على حذف نون الجمع، والأصل تبشرونن، وتبشرونِّ بإدغام نون الجمع في نون العماد، وقرئ: {من القنطين}، من قنط يقنط، وقرئ: {ومن يقنط}، بالحركات الثلاث في النون، أراد: ومن يقنط من رحمة ربه إلا المخطئون طريق الصواب، أو إلا الكافرون، كقوله: {لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} يعنى: لم أستنكر ذلك قنوطًا من رحمته، ولكن استبعادًا له في العادة التي أجراها اللّه.

.[سورة الحجر: الآيات 57- 60]

{قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (60)}.
فإن قلت قوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ} استثناء متصل أو منقطع؟. قلت، لا يخلو من من أن يكون استثناء من قوم، فيكون منقطعًا، لأنّ القوم موصوفون بالإجرام، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين، فيكون متصلا، كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، كما قال: {فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. فإن قلت: فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟ قلت: نعم، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا.
ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرمىّ. في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل: إنا أهلكنا قوما مجرمين، ولكن آل لوط أنجيناهم، وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعًا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، فلا يكون الإرسال مخلصا بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل. فإن قلت:
فقوله: {بم} يتعلق على الوجهين؟ قلت: إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر لكنّ في الاتصال بآل لوط، لأنّ المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاما مستأنفًا، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم: فما حال آل لوط، فقالوا: إنا لمنجوهم. فإن قلت:
فقوله: {إِلَّا امْرَأَتَهُ} ممّ استثنى، وهل هو استثناء من استثناء؟ قلت: استثنى من الضمير المجرور في قوله: {لَمُنَجُّوهُمْ} وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء، لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال: أهلكناهم إلا آل لوط، إلا امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق:
أنت طالق ثلاثًا، إلا اثنتين، إلا واحدة، وفي قول المقرّ: لفلان علىّ عشرة دراهم، إلا ثلاثة، إلا درهما. فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان، لأنّ {إِلَّا آلَ لُوطٍ} متعلق بأرسلنا، أو بمجرمين.
و{إِلَّا امْرَأَتَهُ} قد تعلق بمنجوهم، فأنى يكون استثناء من استثناء، وقرئ {لَمُنَجُّوهُمْ} بالتخفيف والتثقيل. فإن قلت: لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله: {قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ} والتعليق من خصائص أفعال القلوب؟ قلت: لتضمن فعل التقدير معنى العلم، ولذلك فسر العلماء تقدير اللّه أعمال العباد بالعلم. فإن قلت: فلم أسند الملائكة فعل التقدير- وهو للّه وحده- إلى أنفسهم، ولم يقولوا: قدّر اللّه؟ قلت: لما لهم من القرب والاختصاص باللّه الذي ليس لأحد غيرهم، كما يقول خاصة الملك: دبرنا كذا وأمرنا بكذا، والمدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنهم لا يتميزون عنه، وقرئ: {قدرنا}، بالتخفيف.

.[سورة الحجر: الآيات 61- 66]

{فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}.
{مُنْكَرُونَ} أى تنكركم نفسي وتنفر منكم، فأخاف أن تطرقوني بشرّ، بدليل قوله: {بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} أى ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك من عدوّك، وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله، فيمترون فيه ويكذبونك {بِالْحَقِّ} باليقين من عذابهم {وَإِنَّا لَصادِقُونَ} في الإخبار بنزوله بهم، وقرئ: {فأسر}، بقطع الهمزة ووصلها، من أسرى وسرى، وروى صاحب الإقليد: فسر، من السير والقطع في آخر الليل. قال:
افْتَحِى الْبَابَ وَانْظُرِى في النُّجُومِ ** كَمْ عَلَيْنَا مِن قِطعِ لَيْلٍ بَهِيمِ

وقيل: هو بعد ما يمضى شيء صالح من الليل. فإن قلت: ما معنى أمره باتباع أدبارهم ونهيهم عن الالتفات؟ قلت قد بعث اللّه الهلاك على قومه، ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجرًا فلم يكن له بدّ من الاجتهاد في شكر اللّه وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدّمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعًا عليهم وعلى أحوالهم، فلا تفرط منهم التفاتة احتشامًا منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدّم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم، ويمضوا قدمًا غير ملتفتين إلى ما وراءهم كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوى إليه أخادعه، كما قال:
تَلَفَّتُّ نَحْوَ الحَىّ حَتّي وَجَدتُنِى ** وَجِعْتُ مِنَ الإِصْغَاءِ لِيتًا وَأَخْدَعَا

أو جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف، لأنّ من يلتفت لابد له في ذلك من أدنى وقفة {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قيل: هو مصر، وعدّى {وَامْضُوا} إلى {حَيْثُ} تعديته إلى الظرف المبهم، لأن {حَيْثُ} مبهم في الأمكنة، وكذلك الضمير في {تُؤْمَرُونَ} وعدى {قَضَيْنا} بإلى لأنه ضمن معنى: أوحينا، كأنه قيل: وأوحينا إليه مقضيًا مبتوتًا، وفسر {ذلِكَ الْأَمْرَ} بقوله: {أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ} وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له، وقرأ الأعمش: {إن}، بالكسر على الاستئناف، كأن قائلا قال: أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال: إنّ دابر هؤلاء، وفي قراءة ابن مسعود: {وقلنا إنّ دابر هؤلاء}، ودابرهم: آخرهم، يعنى: يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد.

.[سورة الحجر: الآيات 67- 77]

{وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}.
{أَهْلُ الْمَدِينَةِ} أهل سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور، {مستبشرين} بالملائكة {فَلا تَفْضَحُونِ} بفضيحة ضيفي، لأنّ من أساء إلى ضيفه أو جاره فقد أساء إليه، كما أن من أُكرم من يتصل به فقد أُكرم {وَلا تُخْزُونِ} ولا تذلونِ بإذلال ضيفي، من الخزي وهو الهوان. أو ولا تشوّروا بى، من الخزاية وهي الحياء {عَنِ الْعالَمِينَ} عن أن تجير منهم أحدًا، أو تدفع عنهم، أو تمنع بيننا وبينهم، فإنهم كانوا يتعرّضون لكل أحد، وكان يقوم صلى اللّه عليه وسلم بالنهى عن المنكر، والحجر بينهم وبين المتعرّض له، فأوعدوه وقالوا: لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المخرجين، وقيل: عن ضيافة الناس وإنزالهم، وكانوا نهوه أن يضيف أحدًا قط {هؤُلاءِ بَناتِي} إشارة إلى النساء، لأنّ كل أمّة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهنّ، وخلوا بنىّ فلا تتعرضوا لهم {إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} شك في قبولهم لقوله، كأنه قال: إن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم تفعلون، وقيل: إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل اللّه دون ما حرّم {لَعَمْرُكَ} على إرادة القول، أى قالت الملائكة للوط عليه السلام: {لعمرك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ} أى غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطإ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم، من ترك البنين إلى البنات {يَعْمَهُونَ} يتحيرون، فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك، وقيل: الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له، والعمرو العمر واحد، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فيه، وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر، وتقديره: لعمرك مما أقسم به، كما حذفوا الفعل في قولك: باللّه، وقرئ: {في سكرهم} و{في سكراتهم} {الصَّيْحَةُ} صيحة جبريل عليه السلام {مُشْرِقِينَ} داخلين في الشروق وهو بزوع الشمس {مِنْ سِجِّيلٍ} قيل: من طين، عليه كتاب من السجل، ودليله قوله تعالى: {حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} أى معلمة بكتاب {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرّسين المتأملين.
وحقيقة المتوسمين النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء. يقال: توسمت في فلان كذا، أى عرفت وسمه فيه، والضمير في {عالِيَها سافِلَها} لقرى قوم لوط {وَإِنَّها} وإنّ هذه القرى يعنى آثارها {لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد، وهم يبصرون تلك الآثار، وهو تنبيه لقريش كقوله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ}.

.[سورة الحجر: الآيات 78- 79]

{وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79)}.
{أَصْحابُ الْأَيْكَةِ} قوم شعيب {وَإِنَّهُما} يعنى قرى قوم لوط والأيكة، وقيل: الضمير للأيكة ومدين، لأنّ شعيبًا كان مبعوثًا إليهما فلما ذكر الأيكة دل بذكرها على مدين فجاء بضميرهما {لَبِإِمامٍ مُبِينٍ} لبطريق واضح، والامام اسم لما يؤتم به، فسمى به الطريق ومطمر البناء واللوح الذي يكتب فيه، لأنها مما يؤتم به.

.[سورة الحجر: الآيات 80- 84]

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84)}.
{أَصْحابُ الْحِجْرِ} ثمود، والحجر واديهم، وهو بين المدينة والشأم {الْمُرْسَلِينَ} يعنى بتكذيبهم صالحًا، لأنّ من كذب واحدًا منهم فكأنهما كذبهم جميعًا، أو أراد صالحًا ومن معه من المؤمنين، كما قيل: الخبيبون في ابن الزبير وأصحابه، وعن جابر: مررنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم على الحجر فقال لنا: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، حذرا أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء» ثم زجر النبي صلى اللّه عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلفها آمِنِينَ لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تتهدم ويتداعى بنيانها، ومن نقب اللصوص ومن الأعداء وحوادث الدهر. أو آمنين من عذاب اللّه يحسبون أنّ الجبال تحميهم منه {ما كانُوا يَكْسِبُونَ} من بناء البيوت الوثيقة والأموال والعدد.